الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

طلبة الطب : مأزق المعرفة و المعنى


 

هناك شيء غير صائب بشأننا .  خطأ تكويني ودقيق جداً ، شيء يجعلنا مزيفين و هشين جداً وغير قادرين على تملك قوة التحكم بأمور بسيطة وقول ما نعرفه عندما يتطلب منا الأمر أن نقوله

هذه  تصريحات قاسية جداً بشأن الوسط الي عشت فيه خلال الأربع السنين السابقة ، لكن أياً يكن  أسمعني قليلاً

 

بدأ الأمر حين نظفت غرفتي ووجدتني أمام أكوام من الملازم والدفاتر والأوراق المتناثرة والتي كان لزاماً عليا أن أزيحها عن الطريق وأفرغ مكانها لأشياء أخرى أحق بالمساحة ، الأمر الذي لم أستطع فعله لفرط ما أشعر بالذنب عند رمي أشياءٍ كنت أحفظ منها معلومة ما والنتيجة كانت جبلين أبيضين كبيرين فوق مكتبي من الأوراق لتي لم أتخلص منها لكنني أيضاً لم أعد لأقرأها قط

أذكر أني كتبت في مكان ما يومها ملاحظة تقول  "  لازم أتخلص من الشعور بالذنب اللي أحس بيه لما أرمي ورق ذاكرت منو ، لازم بطريقة ما أقتنع  أن هذا المكتوب في الورق لا يمثل المعرفة  ، ولا يضمنها "

وورد سؤال حينها :

إذا لم تكن المعرفة هي الاطمئنان الذي أشعره بشكل لا واعي عندما ألمس التجسيد المادي لهذه المعرفة ( مو كلام معقد ، عزيزتي إلي عندها اختبار وما ترتاح إلا لما تكون مشترية الورق كاملاً مكملاً حتى لو أنها دخلت الاختبار وهي ماهي مخلصة تلاتة أرباعو  )  إذا لم تكن المعرفة هذا إذن ما المعرفة ؟

 " ربما تكون القدرة على الجواب وعلى نقل هذه المعرفة "   فكرت .. لكن هذا بدا أضيق مما ينبغي ،  قد أكون ببغاءً  رائعة لكن هذا لا يعني بالضرورة أني أعرف أليس كذلك ؟

 " المعرفة إذن أن نستطيع فعل شيء بهذه المعرفة " قلت في نفسي ، ثم بدا لي هذا الخاطر أضيق مما ينبغي أيضاً

فإذا كانت المعرفة هي أن أغوص في بحر كبير ، ثم لا آتي إلا بالأشياء القابلة للتطبيق بشكل مادي ومحسوس فما فائدة كل ذاك البحر إذن ؟ و لم هو موجود ؟ (  وما فائدة من العملية العبثية التي نمر بها خلال دراستنا متمثلة في أن ندرس كل شيء ثم لا نتذكر حين نبدأ حياتنا المهنية إلا ما يعيننا على  " الفعل " فقط ؟ )

وعلى أن اقتصار المعرفة على شكلها التطبيقي والمادي هي فكرة معزية لي إذ أنني  لست متصالحة مع جهلي كثيراً ولا مع حقيقة أني أحتاج حياة فوق حياتي لأعلم ، و أنني قد أنتهي بعد حيواتي المتعددة التي أفنيتها في " طلب العلم "  إلى أنني "  لا أعلم شيئاً  " ،   برغم العزاء في هذه الفكرة إلا أنني أجدها أيضاً ناقصة وعبثية إلى حد كبير ..

لكن دعك من هذا كله

دعك من هذه الأسئلة كلها

وماشيني في السؤال التالي :

لماذا نحن  ( كطلاب ، بل وكطلاب طب سعوديين )  نبدو عاجزين جملة عن تبني المعرفة المركزة ، المركزة بحق  في أكثر أشكالها بديهية وسهولة ؟

لماذا نقيء كلماتٍ متقاطعة وجملاً غير مفيدة ( وغير مترابطة أحياناً ) ( ومغالطة في أحيان أخرى )  إذا صرنا في موقع التصريح أو عرضة للسؤال ؟ لماذا لا نعبر عن ذوات مستقلة فكرياً ( هذا إذا كنا نملكها من الأساس) ؟  أو بشكل آخر  لماذا لا يبدو أن  هذه المعلومات النظرية تأتي لتضيف شيئاً لهذه الذوات  ؟ ذوات عاقلة وقادرة على الخيار  ؟  لا أن  تتصلب وتشكل قناعاً سميكاً يمنعنا من رؤية الواقع وربما أبسط الملاحظات التي كنا لنراها لو لم نكن مشغولين بالعدسة السميكة على أعيننا والتي أسميناها " معلوماتنا " ؟ ومن ثم نصير مستعدين لصرف الواقع والتغاضي عنه في سبيل الإبقاء على الأشكال الجامدة للمعرفة في رؤوسنا ( النصوص غالباً ) رغم أن أهل العلم ذاته يبدون أكثر مرونة في تبني نتائج جديدة إذا أتى الواقع بخلاف درر الكتب ؟

أقول التالي وأنا أنأى بنفسي عن أي نوايا مترفعة ومدعية للكمال :

أن الأزمة التي نمر بها كطلاب طب هي وفي المقام الأول أزمة معنى ، و نحن عاجزون لسبب ما ( بل أسباب كثيرة لا أريد الخوض فيها ) عن تبني المعنى الذي تدلل عليه الألفاظ ، ونحن و بشكل كبير مسجونون داخل هذه الألفاظ ونحتمي بها بشراسة كبيرة في محاولة إثبات حصادنا المعرفي الذي من المفترض أن تكون هذه الكلمات دليلة عليه دون تلمس أو محاولة تبصر حقيقية للكينونة التي تقع خلف هذه الألفاظ  .
 ويتبدى هذا ويصير غير قابل للشك عندما نصير - فوق قصورنا التعبيري عن إيصال المعنى -  عاجزين عن الفعل أيضاً

الأحد، 25 نوفمبر 2012

المرأة في مقلب القمامة ، المرأة في غرفة العمليات


-هذه التدوينة مكرسة لأطراف النقيض والتي برغم وقوفها على جهتين متقابلتين هي في النهاية تُفضي إلى نتيجة واحدة

وبؤس إنساني واحد ،

 - إلى ماذا أيضا؟

إلى كل الموارد المركزة في بقعة واحدة حد أن تضر وتكون شراً ، و تكون شحيحة ناقصة في بقعة أخرى و ;  نقصها نقص وشر مماثل

- وإلى من ؟

إلى تلك المتشحة بالسواد في ذلك المقطع على اليوتيوب التي أشار المذيع إلى قطعة الخبز العفنة في يدها وسألها و هي تقف على مقلب القمامة " إزاي تاكلي دي ؟ " فردت " أصلي بنشفهم تحت الشمس "

 


.......

أنا الليلة في مزاج شاعري ، و استنتاج كالذي سأقوم به الآن هو-  -وتبعاً لوضع كاتبته - شاعري أيضاً  أو فلسفي  في أحسن الأحوال

وقفنا اليوم على رأس مريضة ، طاقم جراحي كامل إضافة إلينا نحن المتدربون والطلبة . وخلال الساعتين والنصف وهي مدة العملية كاملة كنت على موعد مع لقطاتٍ على مستوى عالٍ من الحسية / استلهام الحواس  ..

المريضة كانت كبيرة الحجم  ولا يحتاج منك وقتاً في غرفة العمليات قبل أن تعرف أن الطبيب بصدد إجراء عملية لتكميم المعدة .

عكف الجراح و عيوننا من فوق أكتافه على العمل داخل أحشاء المريضة ، اكتست الشاشة بالألوان ، زهري للمعدة بني للكبد ، أصفر و وأبيض لكل الشحوم الداخلية التي تحيط بهما  وبالطبع لمعة أعمدة الحديد التي تدخل وتخرج بصفة دورية إما لتقص شيئاً أو تزيح آخر ..

أدخل الجراح عمودا حديدياً طويلاً ينتهي بقاطعة تطبق على اللحم ومن ثم تطلق صوتاً متتابعاً كرنين منبه ثم تفصله عن الكتل الشحمية البيضاء المتصلة به ..

صوت المنبه ، تطبق القاطعة ، يبتعد الشحم عن اللحم

صوت المنبه ، تطبق القاطعة ، يبتعد الشحم عن اللحم

ينزف وعاء دموي صغير ، يتغير صوت المنبه ، تغير القاطعة مهمتها و تقوم بكي الشريان . يتوقف النزيف

يدخل الجراح عمودا حديدياً آخر  أستقر في نهايته طرفٌ بكماشة  ، يعض  الطرف الشرير على جانب المعدة ، يقص من خلالها ويترك أسلاكاً حديدية متعرجة على حافة مقصوصة و مكوية بعناية

يَخرُج الجزء المقصوص من المعدة ويلقيه الجراح على المنصة قربه

قطعة من آدمي . قطعة حقيقية من آدمي حقيقي أعطى إذناً لأحدهم أن يخرجها من داخله لأن حياته بها صارت أصعب وأكثر بؤساَ  وعصية على حلول أكثر رأفة ..

وعند نقطة ما ، نقطة لا أستطيع مركزتها على وجه التحديد أخذت التجربة  منحى غير أكاديمي بالنسبة لي ، منحى عاطفياً و أخلاقياً .. منحى غاضباً قليلاً ومُشعِراً بالضيق  

يا للمعدن والحديد الذي دخل إلى أحشاء تلك المريضة ! يا للقص !،يا للكي ! يا للخياطة ! يا لخوف التخدير ! ومن ثم الإستلقاء بضعف وطواعية أمام أغراب ! يال ويال ! 
 ياللجوع َوياللشبع ..
و يا لبؤس كليهما ، ويا لحقيقة أنه بؤس  وإن كان هذا يبحث عن الطعام في مقلب القمامة وهذا يبحث عن الشفاء في مشرط الجراح ..
 

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

أسطورة العزيمة


تبدأ أمراً مهماً ، تخوض غمار شيء جديد ، تلزم نفسك بأشياء معينة بداية أول يوم من أول شهر في السنة وتعمل الكثير من الملاحظات الذهنية والخطوط الحمراء في مخيلتك تحت  كلماتٍ مُحببة للنفس ومشحونة بالعاطفية والحماس
  ( قوة الإرادة ، العزيمة ، علو الهمة ، العناد في  المقصد و" عدم القبول بـ لا كجواب "  )

مفاهيم ومفردات نتلقاها بكثير من الانشراح والقبول باعتبارها مُصاحبة للنتائج الجيدة والمآل الحسن وطريقاً إلى كل ما نريد ونتمنى . وكلها أشياء وجدناها في أنفسنا منذ بدأنا الاستماع إلى قصص الطفولة والتاريخ والفلكلور والموروث

إنك أينما تذهب يخبرك الجميع بضرورة قوة الإرادة و صلابة العزيمة ( هذا إذا كنت تريد أي نوع من الإنجاز أو تحقيق الذات في حياتك )  كتب تطوير تقول ذلك ( بل أنها جنت ثروتها من قول ذلك )  ، قصص الناجحين تقول ذلك ، وأهلك يقولون ذلك .

الأمر الذي أجده .. اممم ... حسناً ، مضللاً بعض الشيء .

برأيي الإنسان كائن بأفعال مكرسة ٍ للذة ، وتعبيرٌ كهذا برغم كونه صادماً بعض الشيء ( وموحياً بتفسيرات شهوانية ومادية  )  إلا أنه صحيح على مستويات كثيرة نرفض أن نعيها أو أن نعترف بها ولو بيننا وبين أنفسنا ،  ونختار أن نخلع على رغباتنا أثواباً أخلاقية وتبريراتٍ فلسفية ودينية .  

لا تفهمني بشكل خاطئ قوة العزيمة قد تكون وقوداً عاطفياً رائعاً قد يدفعك لفترة لا بأس بها من الزمن ، لكن الإشكال الأوحد أنه يفنى . ولابد في نهاية المطاف لقوتك أن تخور و لعزيمتك أن تفتر ( وسبحان القوي الدائم )  ومن ثم لا يبقى لك غير جلد الذات ( باعتبار أن فشلك يعني أنك لم تكن قوياً كفاية أو صلباً كما ينبغي ) 
وأما دخولك في معمعمة تحفيزية أخرى بعد فشلك الأول فهذه حلقة مفرغة يختار البعض أن يدخلها ويختار البعض الآخر أن لا يفعل

النجاح في نظري عملية مستمرة ،  وتصاعدٌ تدريجي يتسم بالثبات والاستقرار الأمر الذي لا أرى إمكانية تحقيقيه بدوافع  عاطفية متذبذبة وهشة مثل تلك التي تولدها أفكارنا عن العزيمة و الإرادة

النجاح مدفوع بأمر أكثر قوة  ، أمر أكثر ديمومة ، أكثر  تأصلاً وتجذراً في ذواتنا الفكرية والبيولوجية وأعني بهذا " اللذة "

وعلى أن الذي أقوله هنا ليس اختراعاً خارقاً ولا جديداً في أي حقل من الحقول  إلا أنه بات واضحاً عندي أن كل الناجحين لم يحققوا نجاحاتهم بميكانيكية متهافتة ومجهدة نفسياً كتلك التي نجبر أنفسنا على فعلها ونوصي بها غيرنا بل ونحكم عليهم من خلالها ، وأنه إن لم يكن هناك حسٌ قوي باللذة ( وتوقع اللذة لذة ) خلال كل فعل صغيرٍ من سلسلة الأفعال المتتابعة التي قاموا بها و أدت إلى حدثٍ  نهائي كبير ما ( نجاح ) لما كانوا ناجحين ولا حتى قريبين من ذلك .

كثف ذاتك ، وقم بالأشياء الصائبة للأسباب الصائبة . لا تمد يدك حتى يؤلمك قلبك ، ولا تبحث حتى يزوغ بصرك  ، واشعر باللذة لأنك مُصمم لترغب بها ولأن أفعالك تستمر و تصير أكثر ثباتاً إن كانت مقترنة بها ،

هذا طبيعي

هذا بشري بامتياز

وأنت بشري على ما أعتقد ؟

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

الحُب .. وأشياء أخرى لا أستحقها


 
 لا أعرف كيف أكتب مشاعري ، و أخاف أن يُمسكني أحدهم يوماً متلبسة بها مكتوبة على الورق ، أفكاري مضطربة وأشعر أني أقوم بأمر جلل ولا داعي للذكر أن عيناي تسيلان على أنف محمر أمسحه بطرف ثيابي

قلبي متهافت ، و نفسي بلون خرقة بالية ومجهدة حقاً ومتعبة كثيراً ، أكثر من البحر وأوسع من السماء

استيقظت هذا الصباح وأنا أشعر بوخزة من اللاجدوى وأتذكر كلمة أحدهم

" الصباح أضيق من صدري ، صدري أضيق من خطوة طفل "

 وأشعر بالخاطر يغوص في قلبي ويقع من نفسي بمكان :   "  نعم  ، ضيق جداً . ضيقٌ حقاً  "

 

منذ أسبوعين أبكيت صديقتي بكلام جارح أسمعتها إياه ، في يوم الجمعة خضت نقاشاً حاداً مع ماما ، وقبلها بيومين صرخت على الخادمة وأيقظتها من النوم بطريقة همجية إلى درجة  أنها اتصلت على أمي وطلبت منها التوقف عن العمل في بيتنا  ، وحين حاول والدي محادثتي بشأن أمي ( التي يقول أنها أدمعت بعد خروجي من الغرفة وبعد نقاشنا ) رددته بطريقة وقحة ومن ثم قبلت أن أسمع عظته على مضض ..

خطر على بالي أني أسيء للجميع

ثم جاءت رحلة جامعية إلى مركز للعلاج بالطب البديل ،

 ثم قفز فيليكس ..

 وخلال هذا كله نجحت في السخرية والهزئ والأنفة والتكبر ،  على الأشياء الرائعة و على الأشياء البسيطة  و من الأمور المتواضعة ومن كل شيء وكل شخص

خطر على بالي أن هناك خللاً ما

وتسلم علي صديقتي  ..

بل وتأتي لمقعدي خصيصاً لتصافحني وتسألني عن حالي رغم أنني المخطئة و رغم أنني أخترت أن أتجاهلها  ،

وتضع أمي ورقة من فئة الخمسمائة ريال في يدي وتخبرني أن " أمشي حالي بيها " ،  ويتصل بي بابا في الصباح مازحاً بشأن شيء لا أذكره ويسامحني الجميع وينسون

ولا أنسى ..

وأتلقى هدية مغلفة ..

وأشعر أن قلبي قاسٍ ..

وأن نيتي عكرة ..

وأني مشغولة بالسواد ومنهمكة بالإساءة للجميع  ..
ومحبوسة داخل ذاتي الضيقة المتكبرة المتعجرفة العاجزة عن الحب وعن تلقي الحب وعن رؤية الخير والجمال ..

ويغوص قلبي مرة أخرى

كيف تتلقى اللطف والحب  مغلفاً في هدية وأنت تحمل نفساً كنفسي ؟

كيف تستحق كل هذا وأنت هكذا ؟  بسوادك هذا ؟
 

الأحد، 5 أغسطس 2012

ما تحب تقرأ ؟ ممتاز ! أستمر


في تغريدة على تويتر أشتكى أحدهم من فلان – ولنسميه ( س ) – الذي يعتبر أن الكتب إلى حد كبير " مزبلة " ، التغريدة أثارت تسلسلاً من الأفكار سيؤدي على ما يبدو إلى  هذه التدوينة



حسناً أنا لست قارئة كف ولكنني أتوقع أن لدى ( س ) المزيد من الآراء التي تتماشى مع جمل كـ : "  الكتب مضيعة للورق "  "  القراءة مضيعة للوقت ( يا شيخ أنت فـــــــاضي  ) "  بل وحتى القليل من " مسويلي مثقف ؟ "
وبالنظر إلى الوعي الذي بدأ ينتشر مؤخراً والفضل في هذا يعود إلى بعض البرامج الشبابية التي روجت للقراءة و غيرها من القيم إلى حد كبير قد نستطيع بارتياح أن نخرج ملصقاً كبيراً مكتوبٌ عليه " متخلف " ونطبعه على جبهة ( س ) ومن ثم نمضي في حياتنا ونحن نشعر بشعور أفضل إزاء أنفسنا والمبادئ السامية التي نجحنا في تصنيف الآخر بناء عليها للتو ،

أم ترى لا ؟
لماذا يا ترى يا هل ترى قد يقول ( س ) أمراً كهذا . أعني تصريحاً بهذا التطرف والقوة عن ماهية الكتب بل وماهية القراءة كما أفترض  ..
أقول ببعض الضبابية أن ( س ) ربما كان يرد بشيء من الحدة على اتهام مبطن بالجهل أحسه في نبرة محدثه .  وفي فرض آخر  ربما كان ( س ) صادقاً جداً مع نفسه ليستطيع أن يميز أن الضجة التي يتحدث عنها الجميع ( أعني القراءة طريقاً إلى الحضارة ) لا تمت بصلة إلى رتم حياته اليومي ولا ترتبط بأي حقيقة داخلية يشعرها في نفسه  .

يميز ( س ) جيداً أن عالمه المادي منفصل بشكل كبيرة عن أي فائدة يفترضها الجميع للقراءة ، ويستطيع أن ينأى بنفسه وبسهولة عن هذا المفهوم الذي يبدو أنه لا يقدم له شيئاً يحتاجه بصفة يومية ، و كذا عن أي جمل ترويجية له ..

كأمة متخلفة ، لدينا قدرة رائعة على تلقي المفاهيم والمعلومات ، تعليبها ،  ومن ثم تدويرها  مراراً وتكراراً في حلقات مفرغة لا تقود إلا شيء  ، وفي اللحظة التي يقول فيها أحدهم  " القراءة جيدة يا جماعة ، هيا اقرءوا هيا لنبني الأمة  " نكون مستعدين للإطاعة خصوصاً وإذا كانت الفكرة تتماشى مع  ثقافة موجودة لدينا أصلاً " اقرأ وربك الأكرم "  ، لكن كيف ؟
كيف تكون القراءة طريقاً للحضارة ؟ كيف ستحسن القراءة واقعي ؟ وترفع من احتمالات الرخاء والمعنى في مستقبلي ؟ ومن ثم مستقبل الجميع ؟ أوه بالطبع أستطيع أن أنتهي إلى شكل سهمي بسيط من شاكلة الجميع يقرأ – يرتفع الوعي –خيارات أفضل ---واقع أفضل --- مستقبل مشرق .

لكن حقاً ..كيف هذا ؟
في جوابي على هذا السؤال بناء ً على ما أعرفه يقيناً عن نفسي أجد أن القراءة مفيدة جداً ، تصير بسرعة أفضل في تصور الأشياء اللامحسوسة  ، قد تكسبك شيئاً من اللباقة وحسن انتقاء الكلام ، تعرف ماهي عاصمة تشيكوسلوفاكيا ومن هو رئيسها قبل الاحتلال الروسي ، تستطيع كتابة رسالة لطيفة إلى أحدهم ، وربما تفوز على قاريء آخر في نقاش كلامي وتنظيري بحت  . وعدا عن كتب الدراسة المتعلقة بالتخصص الجامعي  ( و التي في حقيقة الأمر لا نقرأها وإنما نبصمها بصماً ) أستطيع أن أعيش حياة طبيعية ومثمرة ومنتجة  تماماً دون أن أفتح كتاباً لبقية حياتي .. وكذا أغلب الناس فيما أتصور ( أوه لا ؟ حسناً ذكرني أن أريك كيف يكتب بعض الأطباء و الإستشاريين ،  ولا أحد يستطيع أن يجادل أبداً في كفاءتهم الطبية والواضح من إملائهم أنهم لم يقرءوا غير كتب الطب في حياتهم )

فيما أتصور الحضارة ليست وليدة الكتب ، ولكن الكتب بالتأكيد هي الناتج الجانبي للحضارة التي كانت في الأساس نتاج حالة إنسانية معينة  ، و ما الذي أدى إلى هذه الحالة الإنسانية المعينة ؟

قد يكون أي شيء ..

الإنسان هو البداية  وكل ما يشكل هذا الإنسان أشياء ثانوية  لا تشكل حلاً بمفردها ـ  وإذا كانت هذه الكتب وهذه القراءة لا تقود الإنسان إلى حالة معينة من الحب للموجودات و رغبة الخير والجمال ووجود المعنى بتخفيف الأسى عن المخلوقات  ( أي مخلوق ) فهنا أجرؤ وأن أوافق ( س ) على أنها مجرد قمامة
و على العكس : إنك لو كنت شخصاً  نافعاً ، مثمراً أينما زُرعت ، باذلاً للخير (  ولو حتى بكف الأذى ) فأنا لا أهتم حقاً إن لم تضع عيناً على صفحة كتاب لبقية عمرك .

السبت، 14 يوليو 2012

كتاب رائع ! فيلمه مقرف -.-




" في الوقت الذي يتقيد المخرج فيه بميزانية محددة لفيلم ما تكون مخيلتك مفتوحة بإتساع وبميزانية مُطلقة   "
أتحدث عن خيبة الأمل الصغيرة التي بت أختبرها على فترات منتظمة حالما أشاهد فيلماً قرأت كتابه بحماسة وبإعجاب كبير ،  خيبة  أفضت إلى واقع الأمر إلى نوع من " الهواية " إذا صح التعبير ،
تلتقط كتاباً ، تقرؤه ، تكون مفهومك ونسختك الشخصية المبنية على خبراتك السابقة والصور والأخيلة المحفوظة في ذاكرتك و المثارة بواسطة كلمات الكاتب وخطوطه العريضة ، ثم يأتي يومٌ  يقرر فيه أحدهم أن يصنع  فيلماً من آخر الكتب التي حازت على إعجاب النقاد والجمهور (  وبالتأكيد بعض الجوائز و مكاناً في قائمة أفضل المبيعات لفترة من الزمن )

يكون كتابك بينها  ..

و فوالا !  ها أنت أمام رؤية جديدة وأشخاص جدد وفيلم جديد !
وإذا كنت مثلي ترتبط عاطفياً بما تقرأ وبشخوص كتابك وتفاصيل قصتك فسيؤرقك نص الشاشة المختصر إختصاراً فجاً ،  وتثير غيظك  اللامبرر  تغير بعض تفاصيل الملابس و موديلات السيارات ، و تثير حفيظتك وجوه الممثلين ونبرات أصواتهم التي لم تكن شيئاً مما دار في مخيلتك  . وقد أجلس  متربعة أم التلفاز أصرخ على  الشاشة " يا أغبياء مو كدا ! يا أغبياء  مو كدا ! "  وأعلق على كل شاردة واردة دون قدرة على الصمت  مع شعور بالغبن والخيبة يلازمني  حتى نهاية الفيلم !

يا للانتهاك الغجري لمخيلتي !  




عودة إلى العقلانية :
قراءة كتاب ومن ثم مشاهدة فيلمه ( أو حتى أفلامه ) تجربة مُثرية على الصعيد الشخصي بإمتياز  ، ولست هنا بصدد تعداد الفوائد العصبية والثقافية والاجتماعية للقراءة وتأثيرها المفضل عن التلفاز أو غيره من وسائل نقل المعلومات لكن الشيء الذي لاحظته هنا ( أي بعد مشاهدتك لفيلم قد قرأت كتابه )  هو أنك تكون أمام نوع مرهف من إدراك الذات إذا صح التعبير (  خيالي وفهمي أنا مُقارناُ بفهم صناع الفيلم )
 وكلما توغلت أكثر اكتشفت مناطق غير مطروقة من إدراكك لمخيلتك وتصوراتك ومدى وضوح التفاصيل لديك من عدمه ، هذا  إضافة إلى لعبة اعرف الفرق ولاحظ ماذا حذف صناع الفيلم  من الكتاب الأًصلي و لماذا  و " أوه ! ، التبس عليا فهم هذا الجزء في الكتاب وشيء جيد أن الفيلم أفهمني إياه "


وحتى أكون منصفة ، فالأمر يأتي على الوجه المعاكس أيضاً  ،
أعني  " كتاب رديء فيلمه جيد  "  وعلى ندرة هذه الحالة إذ أن لا دافع لأي شخص  - سوا أنه يريد أن يبدد أمواله – بإنتاج فيلم لكتاب رديء  ، لكن هذا التنويعة - في رأيي – موجودة  بالفعل لا سيما إذا كنت نزقاً ( صعب الذوق )  في أختياراتك القرائية



 هذا كل شيء


ويبقى بعض الأمثلة التي أسوقها بكثير من التحفظ باعتبار أنها رؤيتي الشخصية وذوقي  المعتمد على العشوائية نوعاً ما في اختيار الكتب والأفلام




سلسلة  " تواي لايت " أو الشفق بأجزائه الأربعة والذي برأيي أبدعت الكاتبة فيه مع تفاوت بسيط في مستوى بعد الأجزاء عن بعض ، والفيلم ؟
كارثة على البشرية  * وجه يتقيأ *



" ذا دافينشي كود  "  أو شيفرة دافينشي الذي نجح دان براون فيه بسَوْق نص مشوق يحوي الكثير من الجمال الفرنسي والتفاصيل التاريخية المشوقة لفرسان المعبد و العقائد الوثنية والمسيحية القديمة مع دقائقها ورمزياتها  الفنية  وللأسف
ولم يحوي الفيلم نفس الكم من التشويق ، بل كان مملاً جداً .. ( الشيء الغريب على أفلام توم هانكس )

الوجه الآخر ؟ أفلام غلبت كتبها ؟






كلاهما كان رائعاً  لكن الفيلم كان أفضل بكثير








" سستر هود أوف ذا  ترافيلنغ بانتس "  أو أخوية البنطلون المسافر ( ترجمة شخصية  :P  )
الذي كان كتابه مريعاً بينما حقق الفيلم بعض الغفران لكاتبته برأيي -.-




" ذا بيرفيوم " أو العطر  لـ باتريك سوسكند
و لا أقول أن الكتاب كان سيئاً ولكن الفيلم كان رائعاً

أشياء أتمنى مشاهدتها على الشاشة وممارسة لعبتي هذه عليها ؟




مسلسل ذاكرة الجسد ، للكاتبة أحلام مستغانمي وتمثيل جمال سليمان ( ووحدة تانية ما أعرف أسمها وما فيا حيل أجيبو )



ذا أنبيربل لايتنس أوف بينغ "  أو كائن لا تحمل خفته لـ ميلان كونديرا  والفيلم قديم بعض الشيء


" لايف أوف باي " أو حياة باي ليان مارتل  و الكتاب كان مغرقاً في التفاصيل ومملاً بعض الشيء لكني أتوقع أن يكون الفيلم جيداً



الخميس، 12 يوليو 2012

الجزء الثاني : ماذا وجدتِ على الأرض ؟ ( صور )


في تدوينة سابقة جربت ممارسة حقي البريء في التسكع حول شوارع حينا المحافظ مثلي مثل أي صبي من عمر التاسعة واقل أراه يجلس امام عتبات البيوت أو أرصفة طرقات الحي ويشبر المكان ذهاباً وجيئة بطائل وبدون طائل . علي القول أن تريضي هذا بدأ تدريجياً يحظى بنصيب أقل وأقل من البحلقة والملاحظات الساخرة ( أسَرَفُوا )   وبت لا أجد في نفسي الحرج والتخوف ذاته الذي شعرت به أول مرة خرجت فيها إلى شارع الحي ، صرت أوسع نطاق جرأتي أكثر وأكثر صرت أخرج بعد صلاة العشاء ، بل وحتى في أولى ساعات الفجر














 وبما ان الخروج في حد ذاته كان ذا طبيعة تأملية بحتة ( لَا يا راعي الكامري  ، ما خرجت أوريك طولي ) فقد كان أكثر من مُرضي عثوري على هذه الأشياء الصغيرة الملقاة على قارعة الطريق ..
كل غرضٍ فيها فريد ، وأحب أن أعتقد أنه ذو قصة خاصة ومرتبط بمشاعر و ذوات منفصلة .  كل غرضٍ فيها كان صدفة لا يستهان بها ( أولا )، و جرعة المفاجأة والسعادة الصغيرة لذاك اليوم أو تلك النزهة ، وهذه الصور محاولة لاستنطاق هذه الأغراض وإثارة بعض الخيال والتكهنات حول تاريخها وتاريخ من امتلكوها ( ومن ثم اختاروا أن يتخلوا عنها أو يضيعوها على الطريق )
لا أشياء فخمة هنا
فقط أشياء ملقاة على الطريق ..















" خرزة "












" سلحفاة مطاطية "






خاتم أحب أن أعتقد أنه خاتم ألماسي








" فتاة "










لا أعلم ، طائرة ؟







فاصل إعلاني : قلبو مملكة سوسو تملكو لووووول







على الجدار










قطعة هاربة من الكولوسيوم :p



( كانت بلاستيكية للمفاجئة ) !
لا بأس أن تكون حالماً بمساعدة بعض البلاستيك -.-'













وأنتم ؟ ماذا وجدتم على الأرض ؟