الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

طلبة الطب : مأزق المعرفة و المعنى


 

هناك شيء غير صائب بشأننا .  خطأ تكويني ودقيق جداً ، شيء يجعلنا مزيفين و هشين جداً وغير قادرين على تملك قوة التحكم بأمور بسيطة وقول ما نعرفه عندما يتطلب منا الأمر أن نقوله

هذه  تصريحات قاسية جداً بشأن الوسط الي عشت فيه خلال الأربع السنين السابقة ، لكن أياً يكن  أسمعني قليلاً

 

بدأ الأمر حين نظفت غرفتي ووجدتني أمام أكوام من الملازم والدفاتر والأوراق المتناثرة والتي كان لزاماً عليا أن أزيحها عن الطريق وأفرغ مكانها لأشياء أخرى أحق بالمساحة ، الأمر الذي لم أستطع فعله لفرط ما أشعر بالذنب عند رمي أشياءٍ كنت أحفظ منها معلومة ما والنتيجة كانت جبلين أبيضين كبيرين فوق مكتبي من الأوراق لتي لم أتخلص منها لكنني أيضاً لم أعد لأقرأها قط

أذكر أني كتبت في مكان ما يومها ملاحظة تقول  "  لازم أتخلص من الشعور بالذنب اللي أحس بيه لما أرمي ورق ذاكرت منو ، لازم بطريقة ما أقتنع  أن هذا المكتوب في الورق لا يمثل المعرفة  ، ولا يضمنها "

وورد سؤال حينها :

إذا لم تكن المعرفة هي الاطمئنان الذي أشعره بشكل لا واعي عندما ألمس التجسيد المادي لهذه المعرفة ( مو كلام معقد ، عزيزتي إلي عندها اختبار وما ترتاح إلا لما تكون مشترية الورق كاملاً مكملاً حتى لو أنها دخلت الاختبار وهي ماهي مخلصة تلاتة أرباعو  )  إذا لم تكن المعرفة هذا إذن ما المعرفة ؟

 " ربما تكون القدرة على الجواب وعلى نقل هذه المعرفة "   فكرت .. لكن هذا بدا أضيق مما ينبغي ،  قد أكون ببغاءً  رائعة لكن هذا لا يعني بالضرورة أني أعرف أليس كذلك ؟

 " المعرفة إذن أن نستطيع فعل شيء بهذه المعرفة " قلت في نفسي ، ثم بدا لي هذا الخاطر أضيق مما ينبغي أيضاً

فإذا كانت المعرفة هي أن أغوص في بحر كبير ، ثم لا آتي إلا بالأشياء القابلة للتطبيق بشكل مادي ومحسوس فما فائدة كل ذاك البحر إذن ؟ و لم هو موجود ؟ (  وما فائدة من العملية العبثية التي نمر بها خلال دراستنا متمثلة في أن ندرس كل شيء ثم لا نتذكر حين نبدأ حياتنا المهنية إلا ما يعيننا على  " الفعل " فقط ؟ )

وعلى أن اقتصار المعرفة على شكلها التطبيقي والمادي هي فكرة معزية لي إذ أنني  لست متصالحة مع جهلي كثيراً ولا مع حقيقة أني أحتاج حياة فوق حياتي لأعلم ، و أنني قد أنتهي بعد حيواتي المتعددة التي أفنيتها في " طلب العلم "  إلى أنني "  لا أعلم شيئاً  " ،   برغم العزاء في هذه الفكرة إلا أنني أجدها أيضاً ناقصة وعبثية إلى حد كبير ..

لكن دعك من هذا كله

دعك من هذه الأسئلة كلها

وماشيني في السؤال التالي :

لماذا نحن  ( كطلاب ، بل وكطلاب طب سعوديين )  نبدو عاجزين جملة عن تبني المعرفة المركزة ، المركزة بحق  في أكثر أشكالها بديهية وسهولة ؟

لماذا نقيء كلماتٍ متقاطعة وجملاً غير مفيدة ( وغير مترابطة أحياناً ) ( ومغالطة في أحيان أخرى )  إذا صرنا في موقع التصريح أو عرضة للسؤال ؟ لماذا لا نعبر عن ذوات مستقلة فكرياً ( هذا إذا كنا نملكها من الأساس) ؟  أو بشكل آخر  لماذا لا يبدو أن  هذه المعلومات النظرية تأتي لتضيف شيئاً لهذه الذوات  ؟ ذوات عاقلة وقادرة على الخيار  ؟  لا أن  تتصلب وتشكل قناعاً سميكاً يمنعنا من رؤية الواقع وربما أبسط الملاحظات التي كنا لنراها لو لم نكن مشغولين بالعدسة السميكة على أعيننا والتي أسميناها " معلوماتنا " ؟ ومن ثم نصير مستعدين لصرف الواقع والتغاضي عنه في سبيل الإبقاء على الأشكال الجامدة للمعرفة في رؤوسنا ( النصوص غالباً ) رغم أن أهل العلم ذاته يبدون أكثر مرونة في تبني نتائج جديدة إذا أتى الواقع بخلاف درر الكتب ؟

أقول التالي وأنا أنأى بنفسي عن أي نوايا مترفعة ومدعية للكمال :

أن الأزمة التي نمر بها كطلاب طب هي وفي المقام الأول أزمة معنى ، و نحن عاجزون لسبب ما ( بل أسباب كثيرة لا أريد الخوض فيها ) عن تبني المعنى الذي تدلل عليه الألفاظ ، ونحن و بشكل كبير مسجونون داخل هذه الألفاظ ونحتمي بها بشراسة كبيرة في محاولة إثبات حصادنا المعرفي الذي من المفترض أن تكون هذه الكلمات دليلة عليه دون تلمس أو محاولة تبصر حقيقية للكينونة التي تقع خلف هذه الألفاظ  .
 ويتبدى هذا ويصير غير قابل للشك عندما نصير - فوق قصورنا التعبيري عن إيصال المعنى -  عاجزين عن الفعل أيضاً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق