الخميس، 14 فبراير 2013

في معنى الحقيقة : تدوينة عاطفية


أؤدي الآن رقصة السعادة

بصدق لا أذكر آخر مرة كنت فيها منتشية هكذا

أشعر بالمعنى ، أشعر بالقدسية ، أشعر أن شيئاً قد كان مفقوداً  أتخذ مكانه بدقة في صدري ، كأن قطعة حجرية كبيرة قد  وُضعت في بقعتها المفصلة بدقة على مقاس أضلاعها بل وأصدرت ذاك الصوت المحبب الذي يصدر عن الأشياء عندما " تُركب"  في مكانها الصحيح . " كلِك " !

إحساس لذيذ ، إحساس رائع .. أنا أصر عليك حقاً أن تتوقف الآن وتشاركني الرقص

أنتهينا من الرقص ؟

ممتاز ، دعني أشرح لك الآن ماذا حدث /يحدث

سعادة كهذه الي أشعر بها الآن هي وفي حقيقة  سعادة منشأها إحباط سري استطعت تطويره على مدى الخمس السنين السابقة ، وإن أتينا للتأمل فإن السعادة لا تُحس بأنها سعادة وذات طعم سكري إلا إذا أتت بعد كثير من الطعوم المقرفة و المرة ، الطعوم التي – وأضمن لك بشدة – أني تذوقتها بانتظام

 أمر بديهي إذا أن يكون من قوانين الحياة أن تكون السعادة بحجم المشقة التي تجشمتها في طريق الوصول وأن تكون الألوان القاتمة هي النقيض الذي يزيد الألوان السعيدة نصوعاً وظهوراً

يا للكليشيه ، ما علينا . أنا أحاول شرح شيء هنا

إحباطي يتلخص في إيجاد الحقيقة ، وعندما أقول أني " أريد أن أجد الحقيقة " فإن هذا ليس مدللاً على شيء بقدر دلالاته على إيماني العميق بزيف الأشياء وقلة المعنى ، لفترة طويلة ( نسبياً ) وأنا أؤمن بحق أن هناك مساقة معتدلة بين الأشياء وبين تصوراتنا عنها ، أن لا شيء وأعني لا شيء ، لا تعبير أو لغة أو نص مكتوب يمكن أن يقبض على جوهر الحقيقة ويطوي المسافة بين جوهر الأشياء وبين طرقنا الإنسانية في التعبير عنها ونقلها للغير

وأن واجبي الإنساني والمعرفي هو أن أخوض في كل هذه التعبيرات والتصورات المحسوسة عن شيء ما دون أن أسلم  أنها هي ذات الشيء وأن من الحكمة  تحري تضييق المسافة بين ما يُعبّر عن الشيء وبين ذاته وإن لم أصل كلياً لهذه الذات و هذا الجوهر

هذه النزعة تتأكد عندك عندما تشاهد نشرات الأخبار ( لاسيما إن كانت ذات توجهات سياسية غير محايدة ) ، عندما تقرأ أي كتاب ،و عندما تحاول فك شفرات أي تعبير إنساني عن الحقيقة أو عن " الحدث "

وبالطبع ، دراسة الطب لم تساعد . لم ؟ ومن المفترض أن العلوم الطبيعية تمتاز دوناً عن العلوم الأخرى بابتعادها عن الشخصية و  الرأي الصرف واعتمادها اعتماداً كلياً على تحليل البيانات وصياغة نتائجها في منظومة من الحقائق التي يُفترض بها أن تطابق الواقع ؟

أليست دراسة علمٍ يُفترض فيه المطابقة للواقع كفيلاً بالقضاء على هذه النزعة ؟ وتوفير الكثير من الاستقرار العاطفي الذي يأخذه هذا الافتراض المتشكك والمُكذب لكل شيء ؟

حسناً ليس بالضرورة

في دراستي وجدت إشكالاً كبيراً ، وجدتني مُجابهة بكل هذه النصوص الطبية  وبكل هذه الخطوط الإرشادية والتقنينية التي يفترض بها أن تعبر عن الحقيقة ، وعن الواقع .

وما أعجبني هذا الأمر ، إذ أنني شعرت أن الواقع هو أعقد بكثير من هذه النصوص ، وأن الأمور على الطبيعة أكثر تشابكاً وتداخلاً ، وأن محاولة تقنينها بهذا الشكل السطحي هو فقط ذهاب في المحاولة المستميتة للتعبير عن الواقع إلى أقصاه ومع ذلك الفشل في نقله نقلاً كاملاً وحقيقاً

وأنه ما زال علي واجب قطع تلك المسافة ( التي بدت كالمسافة بين السماء والأرض ) بين ما تمثله هذه النصوص وبين كينونته الحقيقية على الأرض و على الطبيعة ،

بدت الأمور عبثية ، بعيدة عن الواقع ، مُفرطة في الانغماس الساذج في تقنينها وتصنيفها أكثر منه في محاولة فهمها ولمسها على الطبيعة ،  " هذا جسم كائن حي يا جماعة غير معقول أن أقيسه بالقلم والمسطرة " هكذا قلت في نفسي

لكن احزر ماذا يا شريك الرقص ؟

هذا ليس صحيحاً ، هذا ليس دقيقاً ، والمسافة يا صديقي أقصر مما تخيلت والحقيقة قريبة قرباً تستطيع معها لمسها بيدك ولا أصدق أن عبرة السعادة تخنقني وأنا أكتب هذا ( سِنف سنِف )

والفضل في هذا يعود إلى فواز ، مريضي العزيز في عنبر الأطفال ، الذي استلمت مهمة تلخيص حالته الصحية وأعراض مرضه  ( بعد كتابتها بخط اليد ) إلى الطبيبة التي تشرف على مجموعتنا ( كجزء من الواجبات المقررة لمادة طب الأطفال )

كانت لحظة سحرية أظني أني لن أنساها في حياتي تلك اللحظة التي قرأت فيها عن المرض الذي أتى به هذا الطفل ، كانت الأعراض مفصلة على مقاس السطور ، وكأن طبعة الكتاب القديمة هذه استحالت معجزة ما وهي تلخص الطفل الذي أمامي في بضع صفحات ، اكتسبت الأسطر قدسية ما ، مهابة ما ، كأني ولأول مرة ألمس الحقيقة بيدي وبت قادرة على احتضانها والإيمان من جديد ، بالحقيقة وبالعلم وبالبشر وبكل شيء

لا ، لم يكن فرحاً ساذجاً برؤية شيء قرأت عنه في كتاب ، كان أعمق من هذا بكثير ، وكان تأثيره أقوى بكثير ، شيء ما حصل في تلك اللحظة التي قرأت فيها تلك الأسطر ، شيء لن أكون بعده نفسي مرة أخرى ، على الأقل نفسي القديمة بكل قلقها المعرفي المثير للجنون

درامية ها ؟

ربما قليلاً ، لكن لدي عذر الفالنتاين أليس كذلك ؟

نبض قلبي اليوم ..  وأشعر به و بامتنان ممتلئاً و مستقراً في صدري ،














*



للزملاء في الكلية ، يعاني مُلهمي فواز ذو السبع سنين من Henoch–Schönlein purpura بكل أعراضه الكلاسيكية

 

هناك تعليق واحد: