الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

أوه ! أوه ! إحزر أين رأيت رِجلك ؟!


تظن بعد أن تقبل في كلية الطب أن اللحظة المشهدية التالية في حياتك ستكون أول مرة تدخل فيها إلى المشرحة ، مشرحة جامعتك العزيزة ( والتي بالمناسبة غرقت في سيل جدة  الأول ولم يبقى منها أي جثة مما اضطررنا حينها للدراسة على الصور والقطع البلاستيكية  )
تخبر نفسك أنك لن تكون نفس الإنسان بعدها ، شيء فيك حتما ً سيتغير ، ربما ستجهش بالبكاء يومها ، لربما تكتشف أنك جزار ابن جزار ، لربما  تقف ذاهلاً أمام بقايا ما قد كان يوماً حياة و قطع نفس ..
ولست هنا بصدد حكاية أول مرة دخلت فيه المبنى سبعة وهو المبنى التي تقع في بدرومه مشرحتنا الغريقة  ( بالغين وليس العين  ) فهي قصة سأرويها لأحدهم إذا أردت اقناعه بمدى رقتي  الشخصية  ومقدار ما أتمتع به من هشاشة و أنوثة و  * ياي*

وبقدر ما كنا ندخل المشرحة  لم يثر فيا الأمر الكثير من الأسئلة الوجودية كما توقعت قدر ما أثار مسحة من التساؤل والتخيلات دفعني له الملل و طول الجلسة أكثر منه الحضور الحزين للقطعة الآدمية المسجاة أمامك
لم يثر المكث وطول الذهاب والمجيء أسئلة الحياة و الموت ، وأسئلة الـ "  لماذا ؟ "
بقدر ما أثار أسئلة الـ " كيف ؟ "
 ولأكون صادقة فأن أسئلة الكيفية هي الأسئلة الوحيدة التي آثارها حقاً وجودي هناك  ( مناهج  " من ربك ؟ ربي الله  " توفر  لك  الكثير من الاستقرارية  والهدوء النسبي )
في مرة من المرات ووددت حقاً لو أن من يشتري لنا هذه الجثث يضع لنا بطاقات تعريفية عليها ، فتمر عليها وتقرأ " مات بسرطان " ، مات بفيضان " ، " مات ميتة طبيعية "

 كان يقتلني الفضول وأنا أمر بجانب الأذرع المكومة على طاول واحدة ، والسيقان المرصوصة بعضها فوق بعض ، وددت لو عرفت كانت لمن ؟ كيف كانت حياته ؟ كم طفلاً أنجب ؟ بماذا أشتغل ؟ أكان سعيداً ؟
 أم لم يكن ؟ وهو المرجح ؟ إذ لم يكن لجثته صاحب ولا عزيز .وإن كان فقد باعها لمشتري الجثث و " لوازم " العلم .؟



 وددت لو عرفت أسماءً :  ذراع سعيد ، يد محمد ، ساق جون ، جمجمة اممممم إقبال! جلال ! أي شيء  أي اسم
وتمر بي خاطرة مريضة  كأن يعود أحدهم للماضي ، ويقترب من الشخص الذي من المفترض أنه سيكون جثة مستقبلاً وهو يجلس في مكان تظنه على الأغلب حقيراً بائساً  قائلاً له بكثير من حس الفكاهة ، وهو يشير ببسمة كبيرة على الجزء الذي سيقطع ويكوم  مع غيره من الأجزاء : "  أترى رجلك هذه ؟ سيقطر منها الفورمالين والبرد والوحشة  في إحدى الجامعات ببلد يسمى السعودية في مكان بعيد بعيد عن هنا "
يا ترى ماذا سيقول حينها ؟ والأكثر فكاهة هل سيعرف أين هي السعودية هذه ؟  
مثير للسخرية





وهذه حتماً  ليست دعوة معادية للعلم والتعلم ،
هي فقط  * الخيالات * المصاحبة للعملية التعليمية  التي أبتسم بعدها ببلاهة قبل أن أدرك أن الدكتورة على وشك الانتهاء من الشرح وقد  فوت جزءاً لا بأس به من الكلام 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق