تظن بعد أن تقبل في كلية الطب أن اللحظة المشهدية التالية في حياتك ستكون أول مرة تدخل فيها إلى المشرحة ، مشرحة جامعتك العزيزة ( والتي بالمناسبة غرقت في سيل جدة الأول ولم يبقى منها أي جثة مما اضطررنا حينها للدراسة على الصور والقطع البلاستيكية )
تخبر نفسك أنك لن تكون نفس الإنسان بعدها ، شيء فيك حتما ً سيتغير ، ربما ستجهش بالبكاء يومها ، لربما تكتشف أنك جزار ابن جزار ، لربما تقف ذاهلاً أمام بقايا ما قد كان يوماً حياة و قطع نفس ..
ولست هنا بصدد حكاية أول مرة دخلت فيه المبنى سبعة وهو المبنى التي تقع في بدرومه مشرحتنا الغريقة ( بالغين وليس العين ) فهي قصة سأرويها لأحدهم إذا أردت اقناعه بمدى رقتي الشخصية ومقدار ما أتمتع به من هشاشة و أنوثة و * ياي*
وبقدر ما كنا ندخل المشرحة لم يثر فيا الأمر الكثير من الأسئلة الوجودية كما توقعت قدر ما أثار مسحة من التساؤل والتخيلات دفعني له الملل و طول الجلسة أكثر منه الحضور الحزين للقطعة الآدمية المسجاة أمامك
لم يثر المكث وطول الذهاب والمجيء أسئلة الحياة و الموت ، وأسئلة الـ " لماذا ؟ "
بقدر ما أثار أسئلة الـ " كيف ؟ "
ولأكون صادقة فأن أسئلة الكيفية هي الأسئلة الوحيدة التي آثارها حقاً وجودي هناك ( مناهج " من ربك ؟ ربي الله " توفر لك الكثير من الاستقرارية والهدوء النسبي )
في مرة من المرات ووددت حقاً لو أن من يشتري لنا هذه الجثث يضع لنا بطاقات تعريفية عليها ، فتمر عليها وتقرأ " مات بسرطان " ، مات بفيضان " ، " مات ميتة طبيعية "
كان يقتلني الفضول وأنا أمر بجانب الأذرع المكومة على طاول واحدة ، والسيقان المرصوصة بعضها فوق بعض ، وددت لو عرفت كانت لمن ؟ كيف كانت حياته ؟ كم طفلاً أنجب ؟ بماذا أشتغل ؟ أكان سعيداً ؟
أم لم يكن ؟ وهو المرجح ؟ إذ لم يكن لجثته صاحب ولا عزيز .وإن كان فقد باعها لمشتري الجثث و " لوازم " العلم .؟
أم لم يكن ؟ وهو المرجح ؟ إذ لم يكن لجثته صاحب ولا عزيز .وإن كان فقد باعها لمشتري الجثث و " لوازم " العلم .؟
وددت لو عرفت أسماءً : ذراع سعيد ، يد محمد ، ساق جون ، جمجمة اممممم إقبال! جلال ! أي شيء أي اسم
وتمر بي خاطرة مريضة كأن يعود أحدهم للماضي ، ويقترب من الشخص الذي من المفترض أنه سيكون جثة مستقبلاً وهو يجلس في مكان تظنه على الأغلب حقيراً بائساً قائلاً له بكثير من حس الفكاهة ، وهو يشير ببسمة كبيرة على الجزء الذي سيقطع ويكوم مع غيره من الأجزاء : " أترى رجلك هذه ؟ سيقطر منها الفورمالين والبرد والوحشة في إحدى الجامعات ببلد يسمى السعودية في مكان بعيد بعيد عن هنا "
يا ترى ماذا سيقول حينها ؟ والأكثر فكاهة هل سيعرف أين هي السعودية هذه ؟
مثير للسخرية
وهذه حتماً ليست دعوة معادية للعلم والتعلم ،
هي فقط * الخيالات * المصاحبة للعملية التعليمية التي أبتسم بعدها ببلاهة قبل أن أدرك أن الدكتورة على وشك الانتهاء من الشرح وقد فوت جزءاً لا بأس به من الكلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق