يسحب نفساً متعباً تتابعه بنظرها ، تشعر أنها ألقت حُنواً ما ، تتحفظ في النظر ، ترسم تعابيراً أكثر طبيعية وتتشاغل بيديها ،
ينظر إليها بطرف عينه ، يُعجزه إستلقاؤه على السرير أن ينظر إليها بأكثر من عينيه ، تتابع الأنفاس المُتعبة ، ويستمر في الصمت ، تشعر بصدرها يضيق ، يختلط عليها الشعور ، يبهت إلى اللاشيء ثم يعود فيلبس أثواباً أخرى أكثر تميّزاً وتحديداً ،
" ربما أشعر بالحزن " تحدد الشعور في نفسها ، تستبين شلالاً صغيراً وحاراً خلف قفصها الصدري ، وتسحب نفساً عميقاً .
كانت الأشياء لطيفة وسخية كان الهواء حُلوا وعشبي الرائحة ، وكانت تُلقي براحة كفها في يده ، لأنه - و لنواجه الأمر - هذا أسهل على يديها الصغيرتين من أن تقبض بيد الأب طول الوقت " كنت أدعه يحمل يدي ، وكان هذا مريحاً وداعياً لنبذ الجهد "
كان يوماً صيفياً ، ذهبا فيه إلى حديقة الحيوانات تبرق الصور الفتوغرافية في ذاكرتها، تبتسم للصور .
كانت المرأة تلبس قبعة دائرية مُلفتة الحجم وثوباً صيفياً قد راق لعينيها الطفلتين ، كانت المرأة - مثل الأب - تحمل يد طفلٍ ما ، بدا شقياً وكثير العناد ، تذكر هذا من إنحناء القبعة على الطفل مراراً ، ومن ثم إلقاء الطفل بوزنه على الأرض عندما كانت القبعة تسحبه خلفها .
تذكر نفسها بنت السبع سنين ، تذكر أبيها ، مُحباً وحالماً وأباً شاباً كثير الإندفاع في الحب و التدليل ، تذكر أن خلافاً دبّ بينهما ، وكيف أن ذاتها المراهقة كانت كثيرة التأمل فيه ، ومن ثم خائبة الأمل ، تذكر كيف تغيّرا ، ولِم ، وكيف ما عاد من يحمل يدها إلى حديقة الحيوان - وفي هذا الشأن- خلال أي شيءٍ من أمور الحياة .
تلقي عليه نظرة من مقعدها الآن ، مُتعب ومريض وقليل البقاء على وجه الإستيقاظ ، ترتفع مرارة في حلقها ، فتؤنب نفسها على استحضار ما لا يفيد .
تتلفت المرأة فجأة ، " أذكر أن هذا أتى ونحن أمام قفص السباع ، أذكر أني حاولت التركيز على الحيوانات ، لكن ضوضاء المرأة وجلبتها قد أخذت تركيزك ، ولذلك تركيزي ، تابعتها بنظري ، تابعناها سوياً ، تكاد تبحث هرولةً ، وفي كل إتجاه ، ما كنت أهتم ، كنت سعيدة وآمنة وشاعرة بالحظوة ، وكانت كفي مُعلقةً بكفك بدفء ، وكانت مخلوقات الأقفاص مثيرة للفضول ، عدت للحيوانات "
عادت لهذه الغرفة ، بدت المرأة وطيدة الصلة الآن ، بدا هلعها قريباً وذا معنى ، كان وقتها ينفذ ، وطفلها يغيب في الشر كلما ابتعد الوقت الذي أضاعته فيه ،
كان وقتها ينفذ ، وكان العزيز ينسل من الحياة في هذه اللحظة التي تجلس فيها هنا ، تفرز المشاعر وتتكلف مسامحة الأخطاء وتحتار كيف تكون كلمات الوداع ،
تتذكر بحدة هلع المرأة ، يصبح هلعها ، تدور القبعة في أرجاء الحديقة بيأس ، يدور رأسها وتتابع ضربات قلبها ، تخرج ذكرى المرأة من مكانٍ قصي في الذاكرة ، فتُصبح القبعة وينفذ الوقت ، وفي مكان ما يمسك أبٌ شاب حالم بيد طفل شقي في الحديقة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق