اقرأ التالي بنبرة مذيعي الأخبار :
في حادثة غير مسبوقة قام جوالي بحذف جميع الأرقام الهاتفية التي تخص أي شخصِ
سبق وعرفته في حياتي وبعد محاولة مريرة
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ( عن طريق المحادثات التي ما زالت موجودة على تطبيق
الواتساب والتي قمت فيها بلعبة توصيل المحادثة باسم الشخص الي جرت معه ) تمكنت من
إستنقاذ 36 اسماً فقط ، هذا وقد تُبع حذف جميع الأسماء بتنويه مندد يقول
بأن " يور سبرنغ بورد هاز كراشد"
حسناً انتهيت من العبث
تستطيع أن تقرأ التالي بأي نبرة تريد ..
آه .. نعم ، 36 اسماً فقط ، وقد فاجأتني حقاً النوبة القلبية التي أصبت بها
حالما أكتشفت أن كل الأرقام قد ضاعت
أصبت بالهلع ، و جعلت أنظر
فاغرة إلى قائمة الأسماء البيضاء ،
وحيث أنني لم أكن يوماً بالضبط سيدة التواصل الهاتفي أتساءل
: لم شعرت بالهلع هكذا
إذن ؟
وكان الجواب سهلاً ( ألا تحب نفسك عندما تعرفها لهذا الحد ؟ )
يقبع في قائمة جهات الإتصال التي تخصني عدد من الأسماء التي أختارت
الحياة ( وفي بعض الأحيان أنا ) أن تتوقف العلاقة بيننا ، وعلى أني حرصت أن أمحو كل أثر يخصهم في أي
جهة أخرى من هاتفي النقال بصفة دورية ( إما بسبب المساحة أو أي أسباب أخرى ) إلا أنني عرفت بأمان وبشكل جانبي أنهم سيكونون دائماً هناك ، ترتص أسماؤهم بصمت إلى جانب أسماء أخرى تتبع نفس الترتيب الأبجدي في قائمة جوالي ، وأنهم دائماً على بعد مكالمة هاتفية واحدة ، أو رسالة
نصية واحدة ..
وعلى أنني لم أقم يوماً بهذه الخطوة ولكن وجود الخيار فقط كان شيئاً مطمئناً بالنسبة لي .
ثم " پوف" ! اختفت الأسماء هكذا
وتركت أنا مع هذا الشعور الحاسم والأكيد والنهائي بأن لا تواصل سيأتي
مستقبلاً ، وأن المسافة الكبيرة التي كانت تفصلنا إبتداءاً - في لحظة - قد
صارت أكبر وأكبر وأننا حقاً " قد ذهب
كل منا في طريق " ..
ثم هناك الأسماء الجديدة ، التي وجدت طريقها إلى هاتفي بمحض الصدفة أو بكيفيات أخرى ،
وأحببت وجودها في هاتفي النقال وإن لم أملك لها هي الأخرى أي خطط في
المستقبل القريب أو البعيد ولكن وجودها
كان منعشاً بطريقة غريبة ، بطريقة مشروعٍ ما
على وشك البدء ، خطط صداقة مفتوحة
بحب ، أو مضاداً للملل في أسوأ
الأحوال
وفقدت هذه أيضاً
وعلى أن استرجاع كل هذه الأسماء ليس بالمهمة المستحيلة إلا أن
جانبي الشاعري ( وجانبي الكسول إن جئنا لهذا الصدد ) قد تولى مهمة إقناعي بالعكس ،
قلت : فليكن
ربما لم يكن مقدراً لهذه الأرقام أن تبقى
ربما كان هذا إشارة صريحة بأن علي المضي قدماً في الحياة ، وليس هذا
فقط
ربما كان إشارة بأنه يجب علي المضي قدماً في الحياة و في اتجاه آخر ، نحو طريق لا تكون فيه كل هذه الأرقام جزءاً
أكيداً من هاتفي النقال ..أو جزءاً أكيداً من كل الإحتمالات التي يحملها لحياتي
طريقا ً أقوم فيه بالأشياء
فعلاً ، على أن أستكين لاحتمالية القرب ، واحتمال وجود المشروع و احتمال حدوث هذا أو ذاك .. واحتمال واحتمال
ربما يجب علي أن أضيق الإحتمالات ، و أطفو مع الموجود والحقيقي
والحاصل
ربما يجب علي أن أبدأ من جديد
وأصطدم بكل من عرفتهم سابقاً في كل مرة على حدى ليدخلوا إلى حياتي " قائمة جوالي " مرة أخرى ،
دخولاً حقيقياً وفعالاً ومؤثراً ..وإلا فلا ضرورة لكل هذا الأرقام والإزدحام في سبيل " الإحتياط " وكلمة " ربما أحتجته يوماً ما " أو المناوشات والمجاملات الفارغة ..
ربما يجب علي أن .. أن أكون أكثر كرماً ! و أقبل بتطاير القطع هكذا ، وألا أكون
على " رأس اللعبة " كما
يجب
أقل سيطرة وأكثر قبولاً ، أكثر تسامحاً وتساهلاً مع نفسي ومع الناس ومع الأرقام ومع الجوال و مع
الحياة .. و مع بعض الطرق التي أنتهت
إليها بعض الأمور ...
ربما أفلسف هذه المسألة أكثر مما يجب ، ربما يجب علي أن أفكر في العطل الفني كعطل فني وحسب ربما يجب علي أن أسترجع كل
هذه الأسماء بصمت وأسلم أنها وجدت في هاتفي لسبب ما ، وأنها ستبقى برغم هذا العطل
وبرغم أشياء كثيرة ، وأن لا شيئ أبداً
ينتهي حقاً ، وأن الإحتمالات ستبقى واردة حتى وإن اخترنا ألا نفكر فيها
وأن الحقيقي والموجود والحاصل أوسع وأشمل مما أخترنا
إطلاق عليه كل هذه الأسماء فقط لأنه موجود بالنسبة إلينا وحاصل ٌ لنا نحن وحسب ..
ربما أصمت الآن ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق