في مرحلة من مراحل طفولتي المبكرة كانت علبة جواهر جلاكسي تظهر للمرة
الأولى في الأسواق ، تعرفونها ، العلبة الإعتيادية التي تظهر بأحجام متعددة وربما
حتى في أصغر البقالات ، بالطبع وقتها لم تكن هذه العلبة شيئاً إعتيادياً بالنسبة
لي ، كانت هذه العلبة تبعث فيا نوعاً من الإنبهار والضيق ، أو لأكون أكثر دقة انبهاراً متبوعاً بالضيق ،
شوكلاتة بالأرز ، شكلاتة سوداء ، شكلاتة محشوة بكريمة الكراميل ، بكريمة البندق ،
بندقة كاملة مغلفة بالشكولاتة ، شكلاتة مستطيلة ، شكلاتة مدورة ، وأخرى تبدو على
شكل قلب . كانت أنواع الشوكلاتة كثيرة ،
وكانت محشوة بأشياء كثيرة ، وكانت مغلفة بنوع من القصدير الملون الذي وجدته أيضاً
ولسبب ما فاتناً ( خصوصاً بعد فرد تعريجاته ليأخذ شكل مربع منبسط ) ، كل هذا كان
كثيراً على قلبي الطفل وكانت تبدو له الأشياء كثيرة ومبهرة جداً ، كانت
الألوان والطعوم غامرة وصعبة على الحصر ، وكنت أشعر بالضيق لكل هذا ، لأني بشكل ما
كنت أبدو عاجزة أمام حصر وتسجيل كل شيء في هذه العلبة ، وكنت أجد العزاء في "
الكتالوج " الصغير الذي كان يأتي داخلها ( لول )
وإن وجدته هو أيضاً صعباً على الحصر وجميلاً ومبهراً بدوره ..
وبعد كل تلك الأعياد التي انتهت وأنا أشعر بالتخمة والغثيان لكثرة ما
حاولت أن " أحيط " بكل تلك
الأنواع من الحلوى ، أستمرت معي هذه
الرغبة في الحصر ، وهذا الضيق عندما لا أستطيع ، شعور بالتبعثر ، أن الأشياء كثيرة
وأني صغيرة جداً ..
ثم جاء عيدٌ من الأعياد وسمعت كلمة غريبة ، صرحت إحدى الصديقات إنها
لم تأكل إلا قطعتين من الحلوى طيلة هذا العيد و كان هذا تعقيباً على تذمر أحدهم من
تشابه الأعياد وحتى تشابه الحلوى فيها !
ثم لمس هذا التعليق شيئاً في ..
فكرت .. إثنتان فقط ؟ حقاً ؟
وتذكرت هذا التبعثر وتذكرت الضيق الذي انتابني من هذا التبعثر .. ماذا عن الباقي ؟ ألا تريدين تجربة البقية ؟
أعني كل شيء ؟
وعندها لم يكن السؤال مسألة حلوى فقط ، كان مسألة كل شيء ، ( كل الكتب
وكل الأغاني وكل الأفلام وكل كل شيء ) معرفة كل شيء و الإنتشار في كل مكان ، ألا
تحتاجين هذا ؟ أعني حقاً .. إثنتان فقط ؟ رغم كل الأشياء التي هي موجودة ورغم كل الكثرة
والوفرة والتنوع ؟
ثم شعرت بالحسد ،
وأردت هذا النوع من السلام الداخلي ، والإكتفاء بالذات لأنها تكفي
وحسب ، أردت هذا التكثف ، وهذه السكينة التي تقول لك أن الأقل هو الأكثر ، وأن
الإستزادة في بعض الأحيان لا تضيف إلا النقص مع رشة من اللاجدوى والتهافت و الإنطلاق غير
الضروري في كل مكان ..
أردت هذا الأستمتاع الهادئ بالجمال دون الشعور القهري بضرورة إمتلاكه
والإستيلاء عليه ، والقبول به في بعض الأحيان عابراً ومتفلتاً وغير قابل للحبس في
أوعية أو ذاكرة ، جميل وحسب .. لطيفٌ إن بقي ، وبقايا شعور لطيف بعده إذا رحل ..
وقطعتان فقط ، ربما لأنهما كانتا الأجمل ، كانتا الألذ ، المميزتان ،
كانتا الأجدر بالمحاولة .. أو ربما لم تكونا ، من يعلم .. ومن ثم إطلاق سراح البقية بكل الإحتمالات
المجهولة التي تحملها ..