-هذه التدوينة مكرسة لأطراف النقيض والتي برغم وقوفها على جهتين
متقابلتين هي في النهاية تُفضي إلى نتيجة واحدة
وبؤس إنساني واحد ،
- إلى ماذا أيضا؟
إلى كل الموارد المركزة في بقعة واحدة حد أن تضر وتكون شراً ، و تكون
شحيحة ناقصة في بقعة أخرى و ; نقصها نقص وشر مماثل
- وإلى من ؟
إلى تلك المتشحة بالسواد في ذلك المقطع على اليوتيوب التي أشار المذيع
إلى قطعة الخبز العفنة في يدها وسألها و هي تقف على مقلب القمامة " إزاي
تاكلي دي ؟ " فردت " أصلي بنشفهم تحت الشمس "
.......
أنا الليلة في مزاج شاعري ، و استنتاج كالذي سأقوم به الآن هو- -وتبعاً لوضع كاتبته - شاعري أيضاً أو فلسفي في أحسن الأحوال
وقفنا اليوم على رأس مريضة ، طاقم جراحي كامل إضافة إلينا نحن
المتدربون والطلبة . وخلال الساعتين والنصف وهي مدة العملية كاملة كنت على موعد مع
لقطاتٍ على مستوى عالٍ من الحسية / استلهام الحواس
..
المريضة كانت كبيرة الحجم ولا
يحتاج منك وقتاً في غرفة العمليات قبل أن تعرف أن الطبيب بصدد إجراء عملية لتكميم
المعدة .
عكف الجراح و عيوننا من فوق أكتافه على العمل داخل أحشاء المريضة ، اكتست
الشاشة بالألوان ، زهري للمعدة بني للكبد ، أصفر و وأبيض لكل الشحوم الداخلية التي
تحيط بهما وبالطبع لمعة أعمدة الحديد التي
تدخل وتخرج بصفة دورية إما لتقص شيئاً أو تزيح آخر ..
أدخل الجراح عمودا حديدياً طويلاً ينتهي بقاطعة تطبق على اللحم ومن ثم
تطلق صوتاً متتابعاً كرنين منبه ثم تفصله عن الكتل الشحمية البيضاء المتصلة به ..
صوت المنبه ، تطبق القاطعة ، يبتعد الشحم عن اللحم
صوت المنبه ، تطبق القاطعة ، يبتعد الشحم عن اللحم
ينزف وعاء دموي صغير ، يتغير صوت المنبه ، تغير القاطعة مهمتها و تقوم
بكي الشريان . يتوقف النزيف
يدخل الجراح عمودا حديدياً آخر
أستقر في نهايته طرفٌ بكماشة ، يعض
الطرف الشرير على جانب المعدة ، يقص من
خلالها ويترك أسلاكاً حديدية متعرجة على حافة مقصوصة و مكوية بعناية
يَخرُج الجزء المقصوص من المعدة ويلقيه الجراح على المنصة قربه
قطعة من آدمي . قطعة حقيقية من آدمي حقيقي أعطى إذناً لأحدهم أن
يخرجها من داخله لأن حياته بها صارت أصعب وأكثر بؤساَ وعصية على حلول أكثر رأفة ..
وعند نقطة ما ، نقطة لا أستطيع مركزتها على وجه التحديد أخذت
التجربة منحى غير أكاديمي بالنسبة لي ،
منحى عاطفياً و أخلاقياً .. منحى غاضباً قليلاً ومُشعِراً بالضيق
يا للمعدن والحديد الذي دخل إلى أحشاء تلك المريضة ! يا للقص !،يا
للكي ! يا للخياطة ! يا لخوف التخدير ! ومن ثم الإستلقاء بضعف وطواعية أمام أغراب
! يال ويال !
ياللجوع َوياللشبع ..
و يا لبؤس كليهما ، ويا لحقيقة أنه بؤس وإن كان هذا يبحث عن الطعام في مقلب القمامة وهذا يبحث عن الشفاء في مشرط الجراح ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق