وأنت تكبر كطبيب هناك شعورٌ عامٌ من خروج الأشياء عن إرادتك ( أنت تكبر كطبيب لأنك تنضم للكلية في سن مبكرة نسبياً ) هو ليس شعوراً سوداوياً بالعجز وقلة الحيلة ( على الأقل بعد أن تمارس الطب حقاً ) بل أقرب منه إلى نضوجٌ نفسي ومعرفي تعرف فيه مكانك في البيئة الإكلينيكية للمستشفى التي لا يخضع كل شيء فيها لتحكمك ( بصعوبة أي شيء ) ، وما يخضع حقاً يمر عبر سلسلة طويلة من الفاعلين والتي بدورها قد تبتلع ما أردته للمريض عند أي مرحلة فيها ، كما إنك تُحجم إمكانيات الطب ( أو ما تعرفه منه ) وتصبح متصالحاً مع الدور التلطيفي والتحسيني الذي تلعبه المعرفة الطبية ( وأنت ) كل يوم في ذهابك ومجيئك من عملك ، و لكنك ومع ذلك ما زلت ممتناً للوقت الخلّاب - و النادر- الذي تحسن فيها المعرفة الطبية وضع مريض بشكل جذري.
تذهب للمستشفى كل يوم ، وقلما لا يكون على لستة المرضى الذين تمر عليهم مريضٌ على جهاز تنفس ، كبيرٌ في السن ، هشٌ ومليء بالأعطاب ، منومٌ بالأدوية و يبدو إنو كان على هذا الجهاز وبهذه الحالة منذ الأبد ( الأمر الذي تعرف أنه يحصل في المستشفيات والحياة ، لا أصمه بالسوء لأنه موجودٌ أكثر من أن تستاء منه كل يوم لكنك تعرف أنه هناك وحسب )
تدخل في ذهنك الألفة ، وتبدأ في عقلك باستخدام أجهزة مفهومية متآلفة مع " منذ الأبد" التي تخص هذا المريض العجوز
لتنجز عملك حولهم بصمت .
كنت محظوظة بما يكفي لأشهد بضع " أبديات" قبل أن تحصل ، لأُحادث المريض وأثبت في ذهني حيويتهم وتفاعلهم وقدرتهم على الكلام والتحرك والإختيار ، أي عندما كانوا جد أحدهم أمه أو أباه الحاضر والفعّال ، ثم أدخل عليهم مرة أخرى وقد أخذوا الصورة المألوفة التي يتصلون فيها بأجهزة التنفس غائبين عن الوعي ، ولأتذكر أني وقفت لألاحظهم على أسرّتهم وأفكر لنفسي إنه ما كان ليخطر على بالي " جِدة " حالهم هذا وفجائيته لو لم أراهم قبل أن تدهور صحتهم ، " كم كان ليبدو قديماً ومألوفاً هكذا ، كم كنت لأكون أقل رجاءً لو لم أره منذ يومين "
لا أقول أن مآلفة التدهور ، واستبعاد الأبدية من وجدان أحدهم الطبيب كان ليحسن حالة هؤلاء المرضى ، وبالتأكيد أن صحة الكبار وتدهورها بشكل درامي ليس أمراً يُرجى العودة منه في كثيرٍ من الأحيان ، لكنه المكان الصغير الذي يختلط فيه استسهال الإهمال مع اليأس من التحسن ، والذي بدونه تكون العناية بهم أكثر معنى و أقرب للعاطفة التي تُسهّل تحريك موارد المستشفى وإن قاومتك هذه الموارد باستمرار .