قروبنا الدراسي يتكون من عشرة فتيات خمسة منهن كن دائماً أصدقاء من
أولى أيام الكلية ، و الخمسة الآخرين كانوا صديقات فيما بينهن وجمعتهم بنا ترتيبات الكلية التي أوعزت إلينا إدارتها بضرورة تكوين هذه المجموعات لأغراض الدراسة وسهولة
التواصل
أيا ما يكون بقيت العلاقات النووية داخل المجموعة كما هي بترتيب ثلاثة
إثنين خمسة ( ومع توزيع نووي أصغر داخل مجموعة الخمسة فتيات التي كنت أنا منهن ) وباعتبار
إن كل واحدة فينا على حدى كانت ذات طبيعة دراسية جادة وميول إجتماعية أقل فإن
اندماجنا تطلب وقتاً ، و باعتبار أن
تكوين علاقات إجتماعية ليس بالضبط على قائمة الأولويات والتوجهات لدى أي واحدة منا فإن
الوقت الذي تطلبه لم يكن باعثاً على الدهشة تماماً
ومن المفارقة أيضاً أننا اقتربنا من بعضنا البعض عندما أصحبت الدراسة
أسهل ، وبات ممكنا على إحدانا أن تظهر بعض
أصول اللياقة الإجتماعية والرغبة في التواصل وقد خف عن كاهلها حمل الشراسة
وسوء الخلق الذي كانت تبعثه الدراسة فينا
( أعرف جعلت الأمر يبدو سيئاً ههههه
لم يكن بهذا السوء حقيقة )
أياً ما يكن ، تعمقت صداقتي بإحدى فتيات الضفة الأخرى مؤخراً ، وهي
ليست صداقة أتوقع لها /منها الكثير في المستقبل ( ليس الأمر أني أتوقع شيئا
كثيراً من الصداقات بشكل عام ) لكن هذا لم
يمنعها أن تُثير بضع الأشياء والتأملات في نفسي و بالتأكيد ... هذه التدوينة
صديقتي مُدهشة تماماً ، مدُهشة بطريقة استغربت معها أني لم أنتبه لها طيلة
الوقت الذي كانت فيه في مع مجموعتنا ، وكل هذا لم يظهر تماماً إلا في ضوء المقارنة
الذهنية ، المقارنة بي أنا شخصياً والتي كانت مدفوعة بعفوية التباين الجم الذي يظهره أدنى تواصل بيننا
وجدت أني أتجه للعالم الخارجي بافتراض مسبق وهو أنه لا يَفهم ،
وبالتالي فأني على مستوى لا واعي مني دائماً ما أحاول شرح شيء ما ، باستفاضة واستطراد وشغف ، الكثير من الكلمات
، الكثير من الانسكاب ، وحس عارم بالمسؤولية ورغبة النقل التفصيلي لكل شيء على " وجهه
الحقيقي " ، كأن الأمر أني أقف على حاجز وأحاول بمجهود وتعب نقل الأشياء
عبره لكل الأشخاص في الجهة المقابلة .
بطبيعة الحال هذا يجعل الاستماع لأي قصة أرويها
عملية فوضوية وفيضاً من المشاعر والكلمات
والتلويح بالأيدي و الإجابة عن أسئلة لم تطرح بعد و الاستدراك لما لا يلزم استدراكه ، وفي الوقت
الذي أغوص فيه في بحر داخلي كبير لأقوم بتواصل إنساني ما ، لا يبدو على صديقتي
أنها تمر بنفس العملية ، وكانت هذه ملاحظة جوهرية وأصيلة بالنسبة لي
صديقتي ولنسمها " إيمان " ليست فتاة صامتة ، وبرغم هذا فكلماتها قليلة جدا ، و مماسية جداً ، و دائماً ما تمر محاذيةً للموضوع لكنها لا تفشل في أن تُريك صلبه ، هي ليست
صديقة التفاصيل ، لكن التفاصيل تصلك بطريقة ما
و في الوقت الذي تقول فيه عشرة كلمات ، تقول إيمان ثلاثة . بخفة و تركيز و نبرة " نظيفة " ..
وأنتهى
كل هذا أكسبها هالة مارلينية ما ( من مارلين مونرو ) وخامة من الدلال الضبابي النادر الذي لم أتوقع
له وجوداً خارج الإطار المبتذل الذي تتبناه الفتيات ، هالة ما زلت أستغرب أني لم ألتقطها
مباشرة من أولى جلساتنا ،
الأهم من هذا كله أن هناك شيء مريح في في إيمان ، وأعرف الآن أن منبعه وإن
لم تكن هي واعية بذلك هو هذا الافتراض المطمئن ( وغير المتعمد ) بأن " العالم
من حولنا يفهم ويرى " وأننا نستطيع أن
نكتفي بالإشارات البسيطة المختصرة وأن نتخلص من هذا العبء المزيف الذي يولد بعضنا
به ، ألا وهو مهمة شرح الأشياء للعالم باستفاضة وتوسع .
أغلب ما نقول لا يحتاج أن يقال ، والعالم أذكى كثيراً مما نظن ، وأكثر
دراية من قبل أي شرح ، ونحن نصير أقل تبعثراً و إجهاداً عندما نضع هذا في اعتبارانا
ونتعلم أن " نُلهم " أكثر ونشرح أقل
تبقى أسئلة تثيرها هذه التأملات مثل : لماذا يولد بعضنا
هكذا ؟ راغبين في الكلام والشرح وشاعرين بالمسؤولية هذه تجاه كل شيء بينما يولد
آخرون أكثر هدوءاً وأقل جلبة نفسية من هؤلاء ؟ وقبلاً ، هل نولد هكذا أصلاً ؟ أم
أننا نُربى لنكون هكذا ؟ وقد تصلح هذه
التدوينة كجزء أول من تتمة تتحدث عن هذا الجانب أكاديمياً ( أساتذة يشرحون الأشياء باستفاضة وفي بعض
الأحيان زيادة عن اللزوم وبطريقة قد تكون عن غير قصد مُربكة ومُزعجة لنا نحن
الطلبة بينما ينجح آخرون بكلمات أقل وفوضى أقل )