في تغريدة على تويتر أشتكى أحدهم من فلان – ولنسميه ( س ) – الذي
يعتبر أن الكتب إلى حد كبير " مزبلة " ، التغريدة أثارت تسلسلاً من
الأفكار سيؤدي على ما يبدو إلى هذه
التدوينة
حسناً أنا لست قارئة كف ولكنني أتوقع أن لدى ( س ) المزيد من الآراء
التي تتماشى مع جمل كـ : " الكتب
مضيعة للورق " " القراءة مضيعة للوقت ( يا شيخ أنت
فـــــــاضي ) " بل وحتى القليل من " مسويلي مثقف ؟ "
وبالنظر إلى الوعي الذي بدأ ينتشر مؤخراً والفضل في هذا يعود إلى بعض
البرامج الشبابية التي روجت للقراءة و غيرها من القيم إلى حد كبير قد نستطيع بارتياح
أن نخرج ملصقاً كبيراً مكتوبٌ عليه " متخلف " ونطبعه على جبهة ( س ) ومن
ثم نمضي في حياتنا ونحن نشعر بشعور أفضل إزاء أنفسنا والمبادئ السامية التي نجحنا
في تصنيف الآخر بناء عليها للتو ،
أم ترى لا ؟
لماذا يا ترى يا هل ترى قد يقول ( س ) أمراً كهذا . أعني تصريحاً بهذا
التطرف والقوة عن ماهية الكتب بل وماهية القراءة كما أفترض .. أقول ببعض الضبابية أن ( س ) ربما كان يرد بشيء من الحدة على اتهام مبطن بالجهل أحسه في نبرة محدثه . وفي فرض آخر ربما كان ( س ) صادقاً جداً مع نفسه ليستطيع أن يميز أن الضجة التي يتحدث عنها الجميع ( أعني القراءة طريقاً إلى الحضارة ) لا تمت بصلة إلى رتم حياته اليومي ولا ترتبط بأي حقيقة داخلية يشعرها في نفسه .
يميز ( س ) جيداً أن عالمه المادي منفصل بشكل كبيرة عن أي فائدة
يفترضها الجميع للقراءة ، ويستطيع أن ينأى بنفسه وبسهولة عن هذا المفهوم الذي يبدو
أنه لا يقدم له شيئاً يحتاجه بصفة يومية ، و كذا عن أي جمل ترويجية له ..
كأمة متخلفة ، لدينا قدرة رائعة على تلقي المفاهيم والمعلومات ، تعليبها ،
ومن ثم تدويرها مراراً وتكراراً في حلقات مفرغة لا تقود إلا
شيء ، وفي اللحظة التي يقول فيها أحدهم " القراءة جيدة يا جماعة ، هيا اقرءوا هيا
لنبني الأمة " نكون مستعدين للإطاعة
خصوصاً وإذا كانت الفكرة تتماشى مع ثقافة
موجودة لدينا أصلاً " اقرأ وربك الأكرم " ، لكن كيف ؟
كيف تكون القراءة طريقاً للحضارة ؟ كيف ستحسن القراءة واقعي ؟ وترفع
من احتمالات الرخاء والمعنى في مستقبلي ؟ ومن ثم مستقبل الجميع ؟ أوه بالطبع
أستطيع أن أنتهي إلى شكل سهمي بسيط من شاكلة الجميع يقرأ – يرتفع الوعي –خيارات
أفضل ---واقع أفضل --- مستقبل مشرق .
لكن حقاً ..كيف هذا ؟
في جوابي على هذا السؤال بناء ً على ما أعرفه يقيناً عن نفسي أجد أن
القراءة مفيدة جداً ، تصير بسرعة أفضل في تصور الأشياء اللامحسوسة ، قد تكسبك شيئاً من اللباقة وحسن انتقاء
الكلام ، تعرف ماهي عاصمة تشيكوسلوفاكيا ومن هو رئيسها قبل الاحتلال الروسي ،
تستطيع كتابة رسالة لطيفة إلى أحدهم ، وربما تفوز على قاريء آخر في نقاش كلامي
وتنظيري بحت . وعدا عن كتب الدراسة
المتعلقة بالتخصص الجامعي ( و التي في
حقيقة الأمر لا نقرأها وإنما نبصمها بصماً ) أستطيع أن أعيش حياة طبيعية ومثمرة
ومنتجة تماماً دون أن أفتح كتاباً لبقية
حياتي .. وكذا أغلب الناس فيما أتصور ( أوه لا ؟ حسناً ذكرني أن أريك كيف يكتب بعض
الأطباء و الإستشاريين ، ولا أحد يستطيع
أن يجادل أبداً في كفاءتهم الطبية والواضح من إملائهم أنهم لم يقرءوا غير كتب الطب
في حياتهم ) فيما أتصور الحضارة ليست وليدة الكتب ، ولكن الكتب بالتأكيد هي الناتج الجانبي للحضارة التي كانت في الأساس نتاج حالة إنسانية معينة ، و ما الذي أدى إلى هذه الحالة الإنسانية المعينة ؟
قد يكون أي شيء ..
الإنسان هو البداية وكل ما يشكل هذا الإنسان أشياء ثانوية لا تشكل حلاً بمفردها ـ وإذا كانت هذه الكتب وهذه القراءة لا تقود الإنسان إلى حالة معينة من الحب للموجودات و رغبة الخير والجمال ووجود المعنى بتخفيف الأسى عن المخلوقات ( أي مخلوق ) فهنا أجرؤ وأن أوافق ( س ) على أنها مجرد قمامة
و على العكس : إنك لو كنت شخصاً نافعاً ، مثمراً أينما زُرعت ، باذلاً للخير ( ولو حتى بكف الأذى ) فأنا لا أهتم حقاً إن لم تضع عيناً على صفحة كتاب لبقية عمرك .